السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من مكفرات الذنوب.. السلام
بقلم: فضيلة الشيخ يوسف بن محمد الهويش*
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد.
لا زال الحديث مستمراً عن فضل السلام وآدابه ذلكم الخلق الكريم والأدب الرفيع، وما زال كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم تحدثاننا بالمزيد والعجيب.
فالسلام بترٌ لحبل البغضاء وكسر لحاجز الشحناء فلا وصول إلى قلب أخيك إلا بسلام ويستحب أن يصحبه ابتسامة قال صلى الله عليه وسلم : “وأن تلق أخاك بوجه طلق”.
أحب أن أزيدكم بشيء من هديه صلى الله عليه وسلم حول إفشاء السلام. صح عنه أنه قال: “أتاني ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا، فوضع يده بين كتفيّ، حتى وجدتُ بردها بين ثدييّ فعلمت ما في السموات وما في الأرض فقال: يا محمد: هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم، في الكفارات والدرجات والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكاره. قال: صدقت يا محمد، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال: يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وتتوب عليّ وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون.
والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “اطعموا الطعام وأفشوا السلام تورثوا الجنان” وقال: “إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام”
وصح عنه أنه قال: “ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات” فأما المهلكات: فشح مطاع وهوى متبع وإعجابُ المرء بنفسه. وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضاء، والقصدُ في الفقر والغنى وخشيةُ الله تعالى في السر والعلانية.
وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السّترات، ونقل الأقدام إلى الجماعات.
وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: دبّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين، لا حالقة الشعر والذي نفسي محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئتكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم.
وقال: “السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض، فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلّم عليهم فردوا عليه، كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب يعني الملائكة”
وقال: “من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين، وأن لا يُسلم الرجل إلا على من يعرف”
وصح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يذهب إلى السوق ولا يشتري منه شيئاً فلما سئل عن ذلك قال: “إنما نغدو من أجل السلام نسلّم على من لقيناه”
المعانقة والتقبيل تشرعان في حق القادم من سفر، أما غير القادم من سفر فلا ينبغي فعلهما معه. ويحرم الانحناء عند السلام لما في سنن الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سُئِل عن الرجل يلقى أخاه ينحني له؟ قال: لا؛ ولأن الانحناء نوع ركوع. والركوع والسجود لا يجوز فعلهما إلاّ لله عز وجل. ومما ينبغي التنبيه عليه حكم القيام للسلام أو للتقدير فالقيام لأجل السلام على القادم من سفر أو الداخل على قوم جالسين في مكان لا بأس به.
وأما القيام من أجل احترام الشخص لا من أجل السلام عليه، كما يقام للعظماء حتى يجلسوا، وكما يأمر بعض المدرسين الطلاب أن يقوموا له إذا دخل الفصل، أو إذا جاء زائر للفصل قاموا له؛ فهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام كما يفعله كثير من الناس، بل قد قال أنس بن مالك: لم يكن شخص أحبّ إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له من كارهته صلى الله عليه وسلم لذلك.
ومن الأحكام المتعلقة بالسلام على النساء إذا كانت المرأة أجنبية عجوزاً جاز السلام عليها، وإن كانت شابة جميلة يخاف الافتنان بها فلا يجوز سلام الرجل عليها، وإن سلم لا يستحق رداً، ولا يجوز لها أن تسلم عليه، وإن سلمت لا تستحق رداً، لأن الرد مكروه. ويجوز تسليم جماعة النساء على جماعة الرجال، وجماعة الرجال على جماعة النساء، والجماعة هنا تطلق على أكثر من واحدة، كما يجوز تسليم الواحد من الرجال على جماعة النساء، والواحدة من النساء على جماعة الرجال، ما دامت الفتنة مأمونة.
جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهما عن أسماء بِنتِ يزيدَ رضي الله عنها قالت: “مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ فسلَّم علينا” وفي صحيح مسلم عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها: “أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ وهو يغتسلُ، وفاطِمةُ تستُرُهُ فسلَّمتُ عليهِ، فقال: من هذه؟ “قلتُ أمُّ هانئ بنتُ أبي طالب – قال: “مرحباً بأمِّ هانئ”، فلما فرغ من غُسْلِهِ قامَ فصلَّى..
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم على النساء سلّم عليهنّ دون مصافحة ويقول: إني لا أصافح النساء ويقول لا أمسّ أيدي النساء.
كان يفعل ذلك ابتعاداً على مواطن الفتنة، وإغراء الشيطان وتزيينه صح عنه أنه قال: “لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأةً لا تحل له”
والسنة أن يسلم المسلم البالغ على الصبيان ليعلمهم تحية الإسلام، وليدخل على نفوسهم روح المؤانسة والمودة صح عن أنس رضي الله عنه أنه مرّ على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله”
وفي رواية أنه كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم، فيا من ترك السلام على الصبيان تكبراً أو احتقاراً من شأنهم أو لا مبالاة بوضعهم فليعلم أن خير البشرية كان يسلّم عليهم وربما حمل بعضهم على يديه وفوق ظهره الشريف.
عباد الله:
وكان عليه الصلاة والسلام من شدة حيائه ودماثة خلقه إذا لقيه أحدٌ من أصحابه فقام معه، قام معه لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحدٌ من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحدٌ من أصحابه فتناول أُذنه ناوله إياها، ثم لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه.
هذا ما تيسر ذكره في هذه الحلقة وإلى لقاء قادم مع مكفر آخر في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.،،،،