الحديث الإعلامى هذه الأيام يدور حول التصريحات بعقد صفقات سياسية وهو مصطلح طالما نسمع طنينه فى كل موسم انتخابى .
ومصطلح صفقة فى اللغة يعنى ضَرَبَهُ ضَرْباً يُسْمَعُ له صوتٌ وهى تعنى عند العرب ضَرْبُ اليد عند البيع علامة إنفاذه .
أما اعتباره مصطلح سياسى فلابد أن نقف عند أطراف الصفقة ، والواضح بالطبع أن الطرف الأول (المانح أو العاطى "اليد العليا" )هو الحزب الحاكم المسيطر على مقدرات الوطن بصلاحيات مطلقة ودون حساب أو رقيب سواء مؤسسياً أو شعبياً وكل ذلك من أجل البقاء فى الحكم إلى ما لانهاية لأسباب عدة لا وقت للوقوف عندها الآن .
أما الطرف الثانى (الممنوح )فهم جميع المنافسين له فى الحكم وهنا تتعدد الأطراف (المستفيدون) كالأحزاب "سواء العتيقة منها أو الوليدة "، و القوى السياسية "كالإخوان المسلمون وحركة كفاية "، والمستقلون ، و مجموعة د. البرادعى .
وبتطبيق منطقى للدوافع السياسية للطرف الأول المذكور سابقاً والمعلوم عنه استبداده وطغيانه واستخدامه أبشع الأساليب كالتعذيب والاعتقال وعشقه الأبدى لقانون الطوارئ وعدم احترام أحكام القضاء وعدم الفصل بين السلطات الثلاث وتفوقه الفج فى انتهاج التزوير والكذب الإعلامى .. إلخ ، كل ذلك بلا حدود وبلا ضابط أو رادع فى التعامل مع المنافسين تحت شعار لاأخلاقى "الغاية تبرر الوسيلة "من خلال نظريات اختزلت فى جمل قصيرة مثل "فرِّقْ تَسُد " أو اطعم الفم تستحى العين" أو الباب اللى يجيلك منه ريح سده واستريح" أو الزنّ على الودان أمرّ من السحر" أو اللى تعرف ديته اقتله" أو اللى تغلب به العب به"أو العصا والجزرة.. إلخ .
أما المنافسون .. فدوافعهم السياسية ترتبط بضوابط حاكمة متباينة نذكر منها ثلاثة يمكن أن تكشف لنا حقيقة الأمر ..
- الأول / أن تحكمهم مبادئهم على حساب سقف مصالحهم أو يوازنوا بين المبادئ والمصالح وهو ما يعرف بالبراجماتية أو أن يغلبوا المصالح على حساب المبادئ .
- والضابط الحاكم الثانى/ هو اختلاف أسقف المنافسين أنفسهم حسب نقاط القوة والضعف الخاصة بهم كتاريخهم السياسى ونسبة مؤيديهم أو ثقلهم السياسى وطبيعة الأهداف.
- أما الثالث / فهو مدى تأثير ما يجنيه المنافس من الصفقة على حساب مستقبله الاستراتيجى أو بتعبير آخر مدى تحقيق أهدافه بعيدة المدى .
واستأذن القارئ فى تناول كل منافس على حدة حتى تتضح الصورة ..
وأبدأ بالأحزاب العتيقة أو إن شئت قلت التى لها كان لها تاريخ فى الشارع السياسى ويسمع عنها الجمهور وعلى رأسهم الوفد والعمل والتجمع والأحرار والأمة ثم يليهم العربى الناصرى فالغد والجبهة الديمقراطية .
بدون دخول فى التفاصيل .. حزب العمل خرج من دائرة السيطرة للطرف الأول ولم يقبل أسلوب الصفقات أو أنها افتراضاً كانت دون طموحاته ولم يرضخ للضغوط بل حالف قوة سياسية لها تاريخ وتواجد شعبى بجانب أنها خصم النظام اللدود أو هكذا أرادها الطرف الأول لحاجة فى نفسه ويعلمها الداخل والخارج فلم يفلح معه سوى أسلوب الحظروالتجميد وصار فى خبر كان إلى حين .
يتشابه معه حزب الغد بمحاولة خروجه عن دائرة مصالح الحزب الحاكم وممكن القول أنه اُستُخدِم فى الانتخابات الرئاسية السابقة لزوم الديكور مع باقى الأحزاب .. إلا أنه تجاوز الخط الأحمر فى القبول الشعبى وشكّل عبئاً على النظام فمارس معه ما تعرفونه من أساليب الاغتيال السياسى وتفجير الحزب من الداخل ، ومثله مع حزب الأحرار .
طبعاً حزب الأمة ارتضى لنفسه سقفاً بدون أعمدة يعنى سقفاً منبطحاً على الأرض .
تبقى الأحزاب الأربعة (الوفد والتجمع والعربى الناصرى والجبهة الديمقراطية) .. و بتفكير منطقى لهم مجتمعين أو منفردين مع النظرفى الضوابط الحاكمة المذكورة آنفاً ، وكذلك تعاطيهم السياسى السابق مع النظام الحاكم خلال العقود الثلاثة الماضية تتضح الصورة جيداً ، ويمكن اعتبار الصفقة بمثابة قارب نجاة لهم فى الشارع السياسى وخصوصاً أن انتخابات 2005 كانت فرصة متاحة للجميع كشفت الثقل السياسى لكل الأطراف وتحديداً المرحلة الأولى وبعضاً من الثانية ، ورغم الإشراف القضائى وخلافه إلا أنّ سقوط الرموز التاريخية بما فيهم رموز الحزب الوطنى كان مُدوّياً وصادماً وفاضحاً ، والكل يعلم أنهم لم يفوزوا ولو بخفّى حنين .
ويجب التنويه أنّ هذه الأحزاب فكّرت ملياً ، وكانت بين فكى رحى الإخوان المسلمون والنظام إما أن يشكلوا جبهة معارضة موحدة مع الإخوان ضد النظام تحفظ لهم مصداقيتهم وتاريخهم وتواجدهم فى الشارع السياسى أو ابرام صفقة مع النظام والتغاضى عما سبق لحين ميسرة ، وهو الأسهل والمضمون حسب سقف مطالب كل منهم و ممكن تحقيقه وبدون كلفة عالية للمرشحين أو مع الناخبين الذين لاتنتهى مشاكلهم ، خصوصاً أن هذه المرة مضمونة لأنه سيقبض أولاً فى مجلس الشعب وبعد كده يدفع مؤخر فى انتخابات الرئاسة واللى يقدم السبت يلاقى الأحد .
أم الأحزاب الوليدة فهى أيسر من عقد صفقة معها ، وما زالت تحبو ، وكل أملها معقود فى الحفاظ على الدعم المالى المقرر لها ويكفيها استمراه ، ولايعرفها الشارع السياسى .
هنا يبرز السؤال أيهما أفضل للنظام .. إبرام الصفقة مع الاخوان ومجموعة البرادعى أم مع الأحزاب ؟ !!
تعال نقرأ الفوائد المرجوة من الصفقة مع الأحزاب ..
*الأحزاب تحقق له شرعية دستورية كأحزاب معارضة فى السلطة التشريعية ،تعطى له وضعاً دولياً مقبولاً .
*الأحزاب يمكن السيطرة عليها "دفنينه سوا" و كلفتها سهلة ومضمونة وترضى بقليله .
*الأحزاب يمكن أن تغض الطرف عن الضوابط الحاكمة الثلاث .
*الأحزاب يعقد معها مقاولة واحدة فى الإنتخابات البرلمانية والرئاسية "عصفوران بحجر واحد" .
أما الإخوان المسلمون .. فالتزامهم بالضوابط الحاكمة الثلاث السابقة يحقق لهم مشروعهم الذين يتبنونه سواء أهدافهم قصيرة المدى أو طويلة المدى والتى أعلنها الشهيد المؤسس للجماعة ، وتحقيق أى مكسب من الصفقات لايرضى سقفهم الذى ارتضوه لأنفسهم فضلاً عن الضرر الذى يلحق بهم ، فهم يعتبرون الحكم الذى هو منتهى سقف المنافسين الآخرين ليس إلا وسيلة لغاية كبيرة عندهم ، وبالتالى حصولهم على عدد ما فى مجلس الشعب يستوى مع عدم حصولهم على أى مقعد ، كما أن الانتخابات الرئاسية ليست على أولوياتهم أو ليست من الأهداف قصيرة المدى وهذا يحول دون إبرام صفقات مع النظام الذى يريد تحجيمهم إن لم يستطع إقصاءهم ، ولايعطى لهم شرعية سياسية ، بحيث تكون حركتهم رهن الإشارة الحمراء أو واقفون فى الممنوع .
يتبقى لنا من المنافسين مجموعة البرادعى ، والنظام أدرك صعوبة الصفقة معه بعد رسائله المتتالية كالتى تم التصريح بها مثل " .. يدخل الحزب الوطنى أولاً ، .. ممكن يرشح نفسه من خلال الأحزاب ، .. لاتعديل للدستور ، .. لامانع من أن يطاله قانون الطوارئ ..إلخ " والتى أعطت فى مجملها إشارات سلبية لعدم إستجابة البرادعى لها من قريب أو بعيد ، هذا بجانب صعوبة التعامل معه على طريقة الإخوان سواء فى الإقصاء أو التحجيم أواعتباره فزاعة فى الداخل والخارج .
هنا نصل لما يدور فى ذهن صناع القرار فى الحزب الوطنى وهو إبرام صفعات متعددة الأطراف والمكاسب ضد الجميع "الأحزاب الأربعة و باقى المنافسين وعلى رأسهم الإخوان المسلمون ومجموعة د. البرادعى " من أجل البقاء جاثماً على أنفاس المصريين ما دام فى النظام قلب ينبض .
ولاعزاء لمصر شعباً ودستوراً
مهندس / أسـامه سليمـان
Us_soliman@yahoo.com
