الايمان فيه معنى الأمن والأمان والأمانة والاستقرار النفسى وعدم الاهتزاز بالنوازع البشرية . وحفظ الضمير من الجنوح الى الباطل .. بل التمسك بالحق فى نور الهداية ... امّا النفاق ..فهو مرض نفسى يصيب من لم يستطع التخلص من اشباح اوهامه .. راغبين فى الحصول على رغباتهم المادية فى حياتهم الدنيا الفانية .. ولا ينشغلون بالآخرة ولو كان جزاؤهم ما فى الآية الكريمة ( انّ المنافقين فى الدرك الأسفل من النار .... ) ذلك لالتوائهم وعدم سيرهم على النهج المستقيم ..فخسروا الدنيا والآخرة ..لما لهم من قدرة على اخفاء ما يبطنون واظهار ضده بالقول وربما بالعمل. مع معارضة قلوبهم لذلك ( اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله . والله يعلم انك لرسوله . والله يشهد ان المنافقين لكاذبون ) فقد نفى الله كل ما يدّعون من ايمان كاذب لم يتعلّق بقلوبهم الخربة التى لم يرقد فيها الاّ ظلام الحقد والعبودية للمادة الزائلة والنعيم الزائف وكآبة الضغائن وعتمة الضلال ..
ومن عجيب امر المنافقين انهم يتزيّدون فى الاخلاص للايهام .. ويتخذون نوايا غيرهم السقيمة طريقا لالتوائهم حتى يطمئن اليهم الخلصاء .. فينالوا منهم ما يريدون بعد تمثيل يتقنونه .. وكلام معسول يصوغونه مع اختيار الالفاظ المناسبة للمواقف ( واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم . وان يقولوا تسمع لقولهم . كأنهم خشب مسنّدة .... ) فالمنظر معجب والمنطق سليم وجذّاب مع كونه زائف ..ولحسن الحظ ان المنافقين سريعوا النسيان . يقولون القول ونقيضه عند غياب الوعى او عند تبدل الحال .. كما انهم – رغم تظاهرهم بالقوة يرتعدون عند اى نازلة .. فهم غير متماسكين. لاضطراب قلوبهم .وتخبط عقولهم. وعدم ثبات نفوسهم. وانعدام الثقة فيما بينهم فتراهم ( يحسبون كل صيحة عليهم . هم العدو .. فاحذرهم ... ) فالمنافق يحيى مع شيطانه الذى يفرخ فى صدره الضلال والوهم فلا يدرك حقائق الأمور. ولا يسمع صوت الحق . بل يسير فى حياته بعشوائية وتخبط ..
ولا يظن عاقل ان المنافقين كانوا فقط فى عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام. ولكنهم موجودون ما وجد الحق والباطل. وما وجدت المصالح الخاصة والمنافع الدنيوية . ولذلك جاءت الآيات تصور حالهم ومسلكهم حتى يحذرهم المؤمنون فتكون الوقاية منهم .فهم اهل خيانة وخديعة وكذب. لدرجة انهم يصدّقون انفسهم .حتى اذا مثلوا امام الله للحساب ظنوا انهم على الحق ( ... فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون انهم على شىء .... ).
أقول : أن النفاق سبيل كل شر فى المجتمع الانسانى . فعلى الجميع ان يحاربه فى غيره . ولا ينسى ان يحاربه فى نفسه .لأن النفس أمّارة بالسوء الاّ ما رحم ربى .. فقد يتسرب النفاق الى قلب اىّ منّا دون ان يدرى . فلكل منّا منافع عند غيره . بالذات اذا كان غيره يملك النفع . وكل منّا يحب المدح والثناء .كما ان الجميع الآن فى قفص الاتّهام الذى يعانى من فيه الجوع والحرمان والفقر والمرض والجهل ... وبهذا نكون فى حاجة ماسة الى النفاق – فى ظاهر الأمر- لنحصل على الوظائف والمساكن والقوت والدواء و... و.... ولكن لا ننسى اننا فى حاجة اكبر الى رب من ننافق .. من بيده الداء والدواء .. هو الغنى الذى لا تنفد خزائنه الملأى .. هو الله الذى بيده ملكوت السموات والأرض ... فلا يكون المسلم كذى الوجهين الملعون الذى قال عنه الرسول ( لعن الله ذا الوجهين . الذى يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) وهذا هو المستضىء بنور غيره .
لابد ان ينقطع عنه النور اذا انقطع الوقود النفاقى او اذا غضب عليه صاحب النور .وعند ذلك يعود المنافق الى ظلمة ضلاله وخيبة حاله وسوء مآله ..
فليحذر المسلم ان ينساق فى تيار المنافع الخاصة الدنيوية . فتجرفه أمواج الأوهام الى دركات النار التى وقودها الناس والحجارة .. ولا يدّعى احد الثقة بنفسه او بايمانه الاّ ان يعتمد على ربه الذى بيده مفاتح القلوب .كما قال رسول الله ( القلوب بين اصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ) او قال فى دعائه ( اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبّت قلبى على دينك ) .
ان كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فكيف بنا ؟ فلنحذر المنافقين .. ولنحذر ان نكون منافقين ... اللهم ثبّت قلوبنا على دينك ...