ها هو القطار وقد بدأ يستعد للرحيل، وقد أطلق صافرات الإنذار ليرحل عن محطته، وينبه المسافرين إلى أن يحزموا حقائبهم ويركبوا في هذا القطار، لأنه إذا انطلق لن يتوقف, وسينتظره من تخلف عنه لمدة عام، وربما سيسبقه في الإتيان قطار الموت الذي لا يترك صغيرًا ولا كبيرًا.
فهذا هو رمضان وقد بقى عليه أيامًا قليلة حبيبتي في الله، فهل ركبتِ بالفعل إلى هذا القطار، أم أنتِ من الذين اشتغلوا بأمور أخرى عن الركوب في هذا القطار؟!، فرب صائمة في رمضان لم يكن لها نصيب من صومها إلا الجوع والعطش، لأنها لم تصم الصيام المرجو والمراد، ورب زهرة سمعت أصوات المساجد بنداء التراويح ولكن آثرت مشاهدة المسلسلات على ذلك النداء العظيم.
الفرصة الأخيرة:
ولأن الإنسان ينسى كثيرًا، وإنما لقب إنسان لكثرة نسيانه، فقد جعل الله تعالى له فرصًا ليذكره بالفضل والثواب، وفي رمضان قد تكون الفتاة متحمسة في بداية رمضان لفعل الطاعات، وما إن يمر العشر الأوائل من رمضان إلا وتنسى بعض الفتيات هدفهن الأسمى في رمضان، فيشاهدن المسلسلات ويضيعن أوقاتهن، ونحن الآن قد قاربت على الإقبال علينا العشر الآواخر من رمضان فهناك فرصة يمنحها الله لكِ أيتها الغالية، لكي تتقربي أكثر منه سبحانه، ففيها ليلة خير من ألف شهر من حرم أجرها فقد حرم.
ولتنظري معي إلى فضل هذه العشر الآواخر:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) [متفق عليه].
وعنها رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري].
وعنها، رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر الأواخر من رمضان، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر). [متفق عليه].
وعنها، قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره) [رواه مسلم].
ليلة العمر:
هذا المصطلح يطلقونه على ليلة زواج الفتاة، ومعناه أنها ليلة لن يتكرر مثيلها في العمر، لأن الزوجان فيها يكونان في غاية السعادة والنشوة، ولكن هناك ليلة هي ليلة من أدركها ينعم ولا يبئس، هي ليلة بآلاف الليالي من ليالي حفلة الزواج، ألا وهي ليلة القدر، قال تعالى:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر: 1-5].
(يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} كما قال تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وذلك أن الله [تعالى]، ابتدأ بإنزاله في رمضان [في] ليلة القدر، ورحم الله بها العباد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
وسميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
ثم فخم شأنها، وعظم مقدارها فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} أي: فإن شأنها جليل، وخطرها عظيم.
{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر [خالية منها]، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث من تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
{تَنزلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} أي: يكثر نزولهم فيها {مِنْ كُلِّ أَمْر سَلامٌ هِيَ} أي: سالمة من كل آفة وشر، وذلك لكثرة خيرها، {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} أي: مبتداها من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر) [تفسير السعدي، (1/931)].
العفو المراد:
إن الإنسان يجب عليه أن يسعى بكل جهده في هذه العشر الأخيرة أن ينال رضا الله تبارك وتعالى، فيجاهد نفسه على القيام وختم القرآن والإعتكاف في المسجد وصلاة التهجد، والأذكار حتى يعفو عنه الله عز وجل، ولقد كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الأيام العشر، (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3513)]، فلذلك لا عجب أن تجدي الصالحات يشمرن في هذه العشر المباركات، (فعن هشام عن حفصة قال: كان لها كفن معد فإذا حجت وأحرمت لبسته وكانت إذا كانت العشر الأواخر من رمضان قامت من الليل فلبسته.
وعنه قال: كانت حفصة بنت سيرين تسرج سراجها من الليل ثم تقوم في مصلاها فربما طفئ السراج فيضيء لها البيت حتى تصبح). [صفة الصفوة، ابن الجوزي، (1/404)].
انظري إلى روعة هؤلاء النساء، فقد أدركن معنى هذه العشر الأواخر وأنها الفرصة الأخيرة لكي يعفو عنهن الغفور الرحيم، (فالعشر الأواخر من رمضان هي أيام العتق من النار، وما العتق من النار إلا أعظم العفو من رب العالمين لمن استحق العقاب بالنار بذنب ارتكب، ومعاصي قد اقترفت وخطايا قد عملت، ومع كل ذلك فإن رحمة الله التي وسعت كل شيء، لم تشأ أن تعاقب مجترحيها وأن تعذب مقترفيها، بل إن رحمته تعالى سبقت غضبه، فلم يعجل بالعقوبة لمن عصاه لأن رحمته وسعت كل شيء، فجاءت العشر الأواخر من رمضان وقد شرح الله صدور المذنبين للتوبة فشملتهم رحمة الله وأعتقتهم من النار) [مواقف إيمانية، عبد الظاهر عبد الله علي، (1 /73)].
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال في استغلال العشر الآواخر من رمضان، فيشد المئزر ويجتهد في العبادة كثيرًا (فكان يدخل معتكفه وكان يدخل المسجد قبل أن تغرب شمس اليوم الواحد والعشرين، ويخرج من المعتكف إذا أعلن للعيد، وهذا لعل فيه انقطاع للعبادة وطلب هذه الليلة أمر مطلوب، وينبغي أن يشغل المسلم العشر الأواخر كلها طلب لهذه الليلة لما فيها من الفضائل، ولما فيها من إجابة الدعاء، ولما فيها من بركة العمل، ولما فيها من بركة العمر، ولما فيها من التقرب على الله تبارك وتعالى، ولما فيها من رفعة الدرجات، ولما فيها من السلامة والمسلم دائما يسعى إلى الخير المسلم دائما يطلب رضوان الله تبارك وتعالى ويبادر إلى الأعمال الصالحة) [دليل لكل داعية، أحمد القطان، (3/22)].
ماذا بعد الكلام؟
- كلنا يخطط لحياته ودنياه، ولكن هل من بيننا من يخطط كذلك لدخول الجنة، واستغلال العشر الأواخر في نيل رضا الله تعالى؟
- وهذا البرنامج العملي يهدف إلى مساعدة فتياتنا على الوصول إلى رضا الله والجنة من خلال استغلال شهر رمضان الكريم.
برنامج العشر الأواخر من رمضان
الهدف من هذه المرحلة: هو الاجتهاد في طاعة الله تعالى، ونُري الله من أنفسنا خيرًا.
أولًا: عبادات ثابتة طوال الشهر الكريم:
1. المحافظة على السنن الرواتب؛ وهي كالتالي: ركعتان قبل الفجر، وركعتان قبل الظهر وأربع ركعات بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء.
2. صلاة التروايح في المسجد.
3. قراءة ثلاثة أجزاء من القرآن.
4. المحافظة على أذكار الصباح والمساء؛ بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر.
5. الصدقة اليومية بأي مبلغ ولو كان بسيطًا.
6. الدعاء بالعتق من النار يوميًّا في كل صلاة.
7 صلاة التهجد في المسجد، والختام بالوتر.
فلا تضيعي أيتها الحبيبة هذه العشر المباركات، فو الله إن رمضان كله شيء، وهذه العشر شيء آخر، فإذا كنت ممن لا يزالون على درب الطاعة، فاجتهدي أكثر في الطاعة وأري الله من نفسك خيرًا، وإذا كنت من اللاتي قد التهين بالمسلسلات والأفلام عن طاعة الله، فارجعي وأنيبي إلى ربك فلا زالت هناك فرصة عظيمة.
يا أيه الراقد كم ترقد قم يا حبيبا قد دنا الموعد
و خذ من الليل و ساعاته حظا إذا هجع الرقد
من نام حتى ينقي ليله لم يبلغ المنزل أو يجهد
قل لذوي الألباب أهل التقى قنطرة العرض لكم موعد
المصادر:
· تفسير السعدي.
· دليل لكل داعية، أحمد القطان.
· مواقف إيمانية، عبد الظاهر عبد الله علي.
· صفة الصفوة، ابن الجوزي.
